عنترة.. حكاية قديمة!
قصة للأطفال، بقلم الروائي الكبير: محمد جبريل
ارتدى الراوى الشعبى ثيابه ، وتهيأ للانصراف إلى المقهى .
قرر أن يحور فى سيرة عنترة ، ليجتذب انتباه رواد المقهى . لاحظ ـ فى الليلة الأخيرة ـ أن الرواد انشغلوا عنه بلعب الطاولة ، وشرب الشاى ، والمناقشات ، وتبادل الدعابات .
أدرك أنه لابد أن يضيف ويحذف إلى الحكاية التى يكررها منذ سنوات طويلة ، فلم تعد تجتذب انتباه أحد .
وهو يمد يده ليأخذ الربابة ، لحقه صوت من خارج النافذة المغلقة :
ـ أرجو أن تحسن رواية سيرتى .
أتجه الراوى بنظرة دهشة ناحية النافذة :
ـ من أنت ؟
ـ أنا عنترة .. بطل السيرة التى ترويها منذ سنوات طويلة .
تمالك الراوى نفسه ، وقال :
ـ ماذا تريد ؟
ـ أريد أن تروى حكايتى كما هى .. كما يحكيها الرواة منذ مئات السنين .
قال الراوى :
ـ لكن الدنيا تغيرت ، وما كان يتقبله الناس فى الماضى يصعب تصديقه الآن !
أضاف فى لهجة تأكيد :
ـ هذه حكاية تروى للناس . كل حكاية تحتاج إلى الإضافة والحذف ، حتى تناسب الوقت الذى تقال فيه . حتى الرواة القدامى أطالوا فى عمر عنترة ، ونسبوا إليه ما لم يحدث فى التاريخ .. لكن ذلك ما كان يحتاج الناس إلى سماعه حينذاك .
قال عنترة :
ـ إذن دعنى أختفى من ذاكرتك . سأتردد بنفسى على الأسواق والمقاهى ، أروى قصتى الحقيقية : معاركى ، وبطولاتى ، وحبى لابنة عمى عبلة .
قبل أن يرد الراوى على عنترة ، فوجئ أنه قد اختفى من ذاكرته بالفعل . لم يعد يتذكر من كان يخاطبه ، ولا السيرة التى كان يعد نفسه للخروج إلى المقهى كى يرويها .
ظهر عنترة فى هيئة فارس . حمل سيفه ، وامتطى جواده المسمى الأبجر ، واتجه ـ عبر الصحراء ـ إلى مدن قريبة ، وبعيدة ، ليروى حكاياته .
فى طريقه ، التقى عنترة برجل يحمل عصا ، فى نهايتها ماسورة من الحديد .
صوب الرجل عصاته ـ من بعيد ـ نحو أرنب برى ، فسقط الأرنب .
اقترب عنترة من الرجل . أبدى دهشته لسقوط الأرنب البرى دون أن تصيبه عصا الرجل.
قال الرجل :
ـ أنا صياد ، وهذه ليست مجرد عصا . إنها بندقية .
ـ ما هى البندقية ؟
ـ ألا تعرف البندقية ؟
وزوى ما بين حاجبيه متسائلاً :
ـ من أين أنت ؟
ـ أنا فارس الصحراء عنترة .
وأشار إلى جواده :
ـ هذا جوادى الأبجر الذى لا يخذلنى فى كل معاركى ..
ثم رفع سيفه :
ـ وهذا سيفى الذى أطرت به رءوس الأعداء .
أظهر الصياد دهشته :
ـ أنت إذن لم تسمع عن البندقية ، ولا عن الدبابة والصاروخ والطائرة . جعلت كل تلك المخترعات موضع الجواد فى النقل ، وفى السباق ، وجعلت السيف للزينة ، أو للعرض فى المتاحف!
صوب الصياد بندقيته إلى أرنب برى آخر ، فسقط ..
قال الصياد لعنترة :
ـ هل تشاركنى طعامى ؟
***
عاد عنترة من الصحراء . وقف فى هيئة التواضع أمام الراوى الشعبى ، وقال :
ـ لقد أعدت نفسى إلى ذاكرتك ، تستطيع أن تروى حكاياتى للناس بتعديلات بسيطة ، أو أن تروى لهم السيرة باعتبارها من سير التراث القديم .